كان الشاب الوسيم يختال بسيارته الجديدة الفارهة.. كيف لا وقد عاد لتوه من بعثته الدراسية التي كللت بالنجاح وحصل نتيجة لها على وظيفة مرموقة، توقف هذا الشاب عند أحد المراكز التجارية ونزل من سيارته.. وكانت تفوح منه رائحة أزكى العطور المنبعثة من ملابسه الأنيقة، كان باختصار فارس الأحلام لأي فتاة تجول في المركز التجاري وتتمنى فارسا أو حتى تحلم..
وأثناء تجوله لمح فتاة وهي لمحته، رسائل بدأت تنبعث بين قلبين جمعت بينهما صدفة القدر.. كانت تلك الفتاة ترتدي عباءة محتشمة غالية الثمن، كانت رائعة الجمال رقيقة لأبعد حدود.. أحست بالخجل لنظرات ذلك الشاب التي تشبه سهام كيوبيد المصوبة إليها أو بشكل أدق.. عليها!.. ابتسمت العيون قبل الشفاه وتلامست القلوب قبل الأيادي.. إنه إعجاب اللحظة الجارف والحب من أول نظرة كما يقول البعض..
خرجت تلك الفتاة من المكان وهي تضم بين قلبها رقم الهاتف الذي سمعته من الفتى عندما عادت إلى المنزل دخلت غرفتها، وبالرغم من أنها المرة الأولى في حياتها التي تقدم فيها على فعل مثل هذا الشيء.. فإنها لم تتردد في الاتصال لحظة.. أمسكت السماعة وبدأت أصابعها المرتعشة تضغط على الأرقام وفي كل ضغطة كانت هناك رجفة تسري في قلبها..
رفعت السماعة في الجانب الآخر.. آلو.. سكتت لحظة ثم قالت بصوت خافت مساء الخير.. وكما كان يتوقع.. كانت هي لا يمكن أن يكون هذا الصوت الرقيق إلا لتلك الفتاة التي رآها كثيرا في الأحلام بقلبه، وشاهدها في الواقع مرة واحدة بعينه.
من فرط السعادة رد التحية وبدأ يتكلم ويثرثر بدون توقف خوفا من أن تنقطع تلك اللحظات السعيدة.. وكانت تلك البداية البسيطة قد أصبحت حبا كبيرا.. كانا متوافقين في كل شيء تقريبا.. متفاهمين إلى أبعد الحدود وكانت الاتصالات لا تنقطع بينهم ليل نهار، تعودت عليه كما تعود هو عليها.. حتى إنه عندما سافر في إحدى المرات ولفترة بسيطة حزنت كثيرا وأظلمت حياتها.. وكأن قلبها قد ضاع منها وكأن أنفاسها سرقت منها..
مضت أشهر ولم يكن أي منهما يدري إلى أي شيء سوف تنتهي قصة الحب هذه.. وإن كانا يتمنيان أفضل ما يمكن تخيله..
جلس هذا الشاب يفكر في تلك الفتاة التي تعلق بها بطريقة خاطئة ويفكر في نفسه وبأن عليه أن يصلح هذا الوضع غير الطبيعي مهما كان الثمن.. وفعلا قرر أن يعالج الموضوع بطريقته هو وحسب ما يتفق مع شخصيته ومعتقداته.. فاجأ والدته ذات يوم بطلبه الزواج.. تهلل وجه الأم وقالت لأبنها تمن واختر بنت من تريد؟..
وكان جوابه مفاجأة.. ولكن لمن المفاجأة.. ليس للأم بالطبع.. ولكن لتلك الفتاة؟؟
قال ذلك الشاب لوالدته وهو يحس بألم في قلبه وفظاعة يرتكبها.. أي فتاة تختارينها.. لن يكون لي رأي غير رأيك..!!!.
وفي الأيام التالية غير هو من طبعه مع تلك الفتاة مما أقلقها وأحزنها.. ففي مرة من المرات استحلفته بالله ماذا هناك وما الذي تغير.. كان يجيبها بأنه "مشغولا" هذه الأيام.
وفي مرة من المرات وبينما كان هناك حديث دائرا بينه وبين صديقه الذي له علم بعلاقته بتلك الفتاة سأله صديقه لماذا لا يتزوج تلك الفتاة؟؟ "أنها" فتاة جيدة على ما عرفت منك أنتم "متفاهمين" ويجمع بينكم حب حقيقي..
أجابه.. هل تعتقد بأني لم أفكر في ذلك.. سكت لحظة ثم تابع تلك الإجابة التي "أستغرق" عدة أسابيع للوصول إليها.. كيف تريدني أن أتزوج بواحدة قبلت أن تتحدث معي في التليفون؟ وكيف تريدني أن أثق فيها بعد ذلك؟.. فهل تريدني أن أصلح الخطأ بالخطأ؟.. الصديق: وما الخطأ في زواجك منها؟.. أنت عرفتها جيدا.. صدقني لن تجد من يحبك ويخلص لك أكثر من هذه الفتاة..
ومع مضي الأيام كان ذلك الشاب يحاول الابتعاد عن تلك الفتاة شيئا فشيئا.. لكي يتخلص هو من حبه لها.. وتتمكن هي من نسيان حبه، وجاءت الأيام الحاسمة خصوصا أن أهله قد وجدوا له الفتاة المناسبة، وكان عليه أن يبادر في الإعداد لعقد القران والزفاف.
فقرر أخيرا أن يصارح تلك الفتاة ويضع الحد الفاصل لهذه العلاقة.. وجاءت مصادفة القدر ففي مثل ذلك المساء الذي كان ينتظر فيه أول مكالمة قبل سنة بالضبط.. هذه الليلة هو أيضا ينتظر على أحر من الجمر لاتصالها.. بدأ الاتصال ودار الحديث وكان هو يتحدث عن القدر وكيف التقيا وكيف أحبها وكيف أن الحب لا يدوم.. كانت هي تسمع وتتجرع كلمات لم "تعتادها".. عبارات توحي بما شكت فيه وظنته في الأيام الأخيرة.. وبدأت دموعها الرقيقة تنساب على وجنتيها.. وهي تنظر إلى الشمعة التي كانت قد أوقدتها في عيد الحب الأول.. كانت تريد أن تفاجئ حبيبها بأجمل الهدايا وأرق الكلمات التي كتبتها له ولم تطلعه عليها.. كانت وكانت.. ولكنها الآن تنغص أنفاسها حسرة مشتتة الأفكار، حتى إن نبضات قلبها تشعر وكأنها نصل خنجر مسموم توغز به صدرها بيدها..
في هذه الأثناء طرق باب غرفته.. أحضرت له الخادمة علبة مغلفة.. فتحها وإذا به يجد هدايا عديدة لفت نظره منها بيت صغير من الشمع فيه حديقة جميلة ونوافذ وأبواب بيضاء، ويوجد بأعلاه قمر مطل على هذا البيت (كان هو دائما يشبهها بالقمر الذي يطل عليه في كل ليلة) سادت فترة من الصمت..
[/size]